تحية إكبار وإجلال للحضور الكريم

تحية تقدير ومواساة لعائلة الفقيد الصغيرة والكبيرة

 

لكبير أوحجو: عاشق الميدان والبسطاء

وأنا بصدد الحديث عن هرم وعن صديق، لا أدري هل علي أن أمتح من معجم الحزن أو معجم الفخر. أي نعم، أفضل الحديث عنك بفخر! كنت فخرنا وأنت تواكبنا بنصائحك وبتوجيهاتك المنهجية مذ شرفتنا أن تكون مستشارا تقنيا لمنظمة الهجرة والتنمية منذ أكثر من 10 سنوات، وكنت فخرنا أكثر باقتناعك أن تصبح عضوا لمجلسها الإداري، كما كان أستاذنا وعميدنا حسن بنحليمة قبلك، لتعطي لانخراطك معنا بعدا أكبر وأشمل ويصبح إيماننا المشترك بالمجال ودوره في التنمية المستدامة الخيط الناظم لاشتغالنا الجماعي. وكنت فخرنا كذلك يوم مرافقتك لفريق اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي واستقبالنا إياها بتالوين وتنظيم زيارة ميدانية ونقاش مفتوح على المستقبل مع الفاعلين المحليين

كلما فتحت حاسوبي، تطالعني طلعتك البهية في الصورة الجماعية التي أخذت في لقائنا الداخلي في يونيو 2022 بإيموزار والذي جمع كل أعضاء الفريق التقني وأعضاء المجلس الإداري. والشيء بالشيء يذكر. كنت تعاني الوجع، لكن مساهمتك القيمة في النقاش والتأطير كانت جد قيمة. غالبت الآلام التي هجمت عليك وأعطيتنا المثال في التشبث بالحياة والحفاظ على الأمل. وكم كان الفرح جماعيا، إذ كنت عريسنا تلك الليلة، بمشاركتك في رقصة أحواش في اليوم الختامي للقاء.

كنت تضع الإنسان في قلب مقاربتك وكانت مسألة التنظيم وفهم آليات اشتغال المجتمعات المحلية في قلب اهتمامك وأعطيت بصمتك لفضاءات التشاور المحلي، مؤمنا أننا يمكن أن ننجح حوارا مجاليا يجمع المؤسسة المنتخبة مع ممثلي « الجّمَاعَة » دون نسيان الشباب والنساء. كنا نقرأ عن المجال والتراب وخصوصياته، لكن معك فهمنا بعمق أنه لا يمكن اختزاله البتة في دعامة تقنية وأنه يجب التعامل معه على أنه حوض حياة Bassin de vie حيث يتقاطع الثقافي بالاجتماعي بالاقتصادي بالبيئي وبالسياسي…الخ.

لم يتسن لنا أن نرصع خدك بقبل الوداع، إذ ترجلت عن صهوة الحياة باكرا، ولأن المنية غافلتك وغافلتنا وأخذتك منا على حين غرة في السادس من ماي 2023.

 فآخر لقاء بيننا في أواخر أبريل كان مناسبة للحديث عما بدأناه من اشتغال معا على مجالات تراث المجتمعات المحلية بالمجال الجبلي لسيروا

Aires et territoires du Patrimoine Autochtone et Communautaire  

وعن الزيارة الميدانية التي سنقوم بها، مع الإشارة والتأكيد إلى أنك تود أن يكون الصديق أحمد توفيق زينبي معنا. حتى وأنت في لحظة وجع، كانت تقاسيم وأسارير وجهك تعبر عن شوقك للقاء مع الرعاة ومع المزارعين والمزارعات لنعمق النقاش ولنواكب الدينامية التي شاركت فيها بقوة ألا وهي إعادة إحياء وتحيين القوانين العرفية لتسترجع التجمعات الزراعية دورها في تدبير مجالها كمدخل رئيسي لسيرورة تسجيل مجالات الحياة بجبال سيروا في السجل الوطني، كنتيجة لما بدأناه مع التحالف الدولي لمجالات تراث المجتمعات المحلية، معززا بالدراسات العلمية التي تم إنجازها.

كُنتُ شاهد عيان على بساطتك وطريقتك الجميلة في الاستماع أكثر من الكلام وعلى استفزازك الإيجابي للفاعلين المحليين كي يتحدثوا، فهم أصحاب معرفة بمجالهم وبثقافتهم. كنت كبيرا وبسيطا، مرنا وحازما في طريقتك للحفاظ على الخيط الناظم لمنهجية اشتغالك معهم ومعهن.

أعددنا جماعة للقاء الذي عزمنا على تنظيمه بباريس يوم 9 فبراير 2023 تحت شعار « الجمع والاحتفاظ والتجديد: تحديات المياه والتربة في مناخ شبه جاف »، Recueillir, Retenir, Régénérer”: les défis de l’eau et du sol en climat semi-aride لكن المرض لم يسعفك لتكون حاضرا بيننا، ومع ذلك أصررت على المشاركة، ولو عن بعد، بعرض مشترك مع الأستاذ الحسن المحداد حول موضوع « الماء بمنطقة سيروا وإشكالية التوازن بين الموارد والحاجيات ».

هذا اللقاء الذي نتج عنه صياغة مقال جماعي بتنسيق من جاك ولد آودية، صديقك ونائب رئيس منظمة الهجرة والتنمية، مقال شاركت فيه مع صديقك ورفيقك الأستاذ الحسن المحداد ونشر في العدد رقم 291 بتاريخ 30 ماي 2023 بموسوعة التنمية المستدامة تحت عنوان «  »الجمع والاحتفاظ وتجديد التربة: إشكالية الماء بالمغرب وأجوبة محلية:

Recueillir, Retenir l’eau et Régénérer les sols : Problématique de l’eau au Maroc et Réponses à l’échelle locale (http://encyclopedie-dd.org)

ليكون بذلك هذا المقال آخر مساهمة علمية توقع عليها.

كنت أود أنسج لك من أهدابنا سورا يستعصي اختراقه على المنية، لكن هيهات، فنحن نعجز عن مقاومة ناموس الموت. لكنك، صديقي وأخي لكبير، تحيا فينا وأتذكر بلوعة مقولتك الدائمة « الكلام ما كليل » حينما يشتد وطيس النقاش ويكثر القيل والقال.

نم قرير العين سي لكبيرفأنت ممتد فينا، فمن خيوط الشمس ننسج اسمك وننقشه في قلوبنا وأفئدتنا. لقد أديت رسالتك على أكمل وجه وكنت بحق جسرا بين الفضاء الجامعي والميدان ولست أبالغ إن قلت أنك العاشق للميدان وللبسطاء.

رحمك الله وأسكنك فسيح جناته.

                                   عبد الرزاق الحجري

                                   مدير منظمة الهجرة والتنمية